مانشيت-متابعات
مع تسلّم الرئيس الأمريكي الجديد مقاليد الحكم في البلاد، بعد سجال انتخابي مستفيض، وعراك متبادل بينه وبين الرئيس السابق دونالد ترمب الذي لم يعترف حتى اللحظة بهزيمته في الانتخابات الأكثر جدلًا في تاريخ الولايات المتحدة، تبقى الملفات العربية شائكة بالنسبة لبايدن وإدارته الجديدة، إذ يبرز الملف اليمني كأكثر الملفات المثيرة للانتباه، في ظل حرب توشك أن تلج عامها السادس دون تقدّم يُذكر نحو سلام شامل ينهي حالة الحرب.
موقف متأرجح
ويبدو الوضع اليمني مرهونًا بمدى ما ستكون عليه الحالة الإقليمية تجاهه، تحديدًا بين السعودية وإيران اللتان تمثلان قطبي الصراع في البلد العربي الاستراتيجي، وهو ما تضعه الإدارة الأمريكية الجديدة في حسبانها قبل أي تدخل محتمل لإنهاء الصراع في اليمن.في تصريح خاص ، أكد المحلل السياسي المختص بسياسة أمريكا في الشرق الأوسط، جو معكرون أن سياسة إدارة بايدن في اليمن ستعتمد إلى حد كبير على العلاقات الأمريكية-السعودية ومصير الاتفاق النووي الإيراني.
وبحسب معكرون فإنه نتيجة المزاج العام في الحزب الديمقراطي، يُتوقع أن توقف إدارة بايدن كل أشكال الدعم الأمريكي لحرب اليمن وستسعى للتوصل إلى خارطة طريق لإيجاد حل لهذا النزاع.
وأضاف: أبعد من ذلك، الخيارات الأمريكية محدودة في اليمن وقد لا تكون إدارة بايدن جاهزة لفتح معركة مع السعودية نتيجة هذا الأمر، لذا فإن أي مسعى أمريكي في اليمن يحتاج إلى تسهيل سعودي وإيراني، وهذا غير متاح حتى الساعة على الأقل، وفق ما قاله معكرون.
في السياق ذاته يُرجّح مركز الإمارات للسياسات في موجز تحليلي أصدره في الـ22 من نوفمبر الماضي أن إدارة الرئيس بايدن ستكون أبطأ في تعاملها مع أزمات منطقة الشرق الأوسط وصراعاتها المُمتدَّة، بما فيها الصراع اليمني الذي دخل عامه السادس، باعتبار “أن المنطقة ستكون ذات أولوية منخفضة للإدارة الجديدة التي ستركز على التعامل مع جائحة “كوفيد-19” ببعديها الداخلي والخارجي، والسياسة الخارجية الأمريكية تجاه آسيا وأوروبا والأمريكيتين”، ومؤدى ذلك -بحسب المركز- أن إدارة بايدن ستميل أكثر إلى التأني في إقرار وحسم شكل سياساتها المستقبلية تجاه الأزمة اليمنية، وأخذ التعقيدات الملازمة لها بعين الاعتبار، لاسيما في ضوء الأطر والمحددات التي سبق واعتمدتها إدارة الرئيس ترامب، ومؤسسات صُنع السياسة الخارجية في واشنطن، في تعاطيها مع هذه الأزمة بكافة أبعادها، وبصفةٍ خاصةٍ بعد توجه بوضع إدارة ترامب أحد أطراف الصراع الرئيسين (أي جماعة “أنصار الله” الحوثية) في قائمة الإرهاب، مع ما تحمله هذه الخطوة من إعادة تعريفٍ للصراع اليمني برمته.
من جهة أخرى تعهّد أنتوني بلينكن، الذي اختاره الرئيس الأمريكي جو بايدن لتولي حقيبة الخارجية، الثلاثاء الماضي “بإعادة النظر فورًا” في قرار وزير الخارجية السابق، مايك بومبيو، تصنيف حركة “أنصار الله” الحوثية “منظمة إرهابية”، رغم المخاوف من أن يفاقم ذلك الأزمة الإنسانية.
وقال بلينكن خلال جلسة المصادقة على تعيينه في المنصب في مجلس الشيوخ: “سنقترح إعادة النظر فورًا بهذا القرار لضمان عدم إعاقة وصول المساعدات الإنسانية”.
اليمن ملحق بالملف السعودي
عمليًا لا تقرر الإدارات الأمريكية المتعاقبة سياساتها تجاه اليمن دون ربطها بمحيطها الخليجي والمتغيرات التي يعيشها. وفي ظروف كالتي تشهدها المنطقة اليوم تعد اليمن ذات خصوصية بالنسبة للسعودية الحليف الاستراتيجي للولايات المتحدة الأمريكية، وهو ما يجعل اتخاذ قرارات متعلقة باليمن بعيدة مالم يتم اعتبار وجهة نظر السعودية، وفق ما يراه مراقبون.بالنسبة للدكتور فيصل علي رئيس مركز يمنيون للدراسات “فالرئيس بايدن في مرحلة جديدة لا تشبه مرحلة الانتخابات وما رافقها وما نتج عنها من إرهاصات…، علينا التفريق بين البرنامج الفعلي ومرحلة الدعاية الانتخابية، في حالة الرئيس الأمريكي وغيره هناك ما يحكم تصرفاته وسياساته، سينطلق بايدن مثل 45 رئيسًا أمريكيًا سبقوه، رعاية مصالح شعبه والوعود التي قطعها محليًا لها الأولوية”.
وأضاف علي“اليمن ليست أولوية لا لبايدن ولا لسلفه ترمب، وإنما هي ملف ملحق بالملف الخليجي والسعودي تحديدًا، وأيضًا المتغير الجديد وصول جماعة الحوثي للسيطرة بالقوة على بعض محافظات الجمهورية اليمنية تلبية لرغبة إيران وكذراع من أذرعها في المنطقة.
وتوقّع علي “أن إدارة بايدن ستمضي على خطى إدارة ترمب مع التخفيف من الصخب الذي أحدثه ترمب وسنرى حملة العلاقات لتحسين الصورة الأمريكية في العالم، ولن يكون هناك تغييرات فيما يتعلق باليمن، فالحوثي ما يزال يهدد خطوط الملاحة الدولية ومنابع وشركات النفط ويقوي موقف إيران ولن يتورع عن ذلك.”
في تقرير لها نُشر في نوفمبر الماضي قالت صحيفة ناشيونال إنتريست الأمريكية ” إن التوصل إلى حل سلمي للحرب في اليمن لن يتطلب بالضرورة مشاركة أمريكية مباشرة، لا يُتوقع من الولايات المتحدة إدارة المطالب اليومية لعملية السلام أو إجراء دبلوماسية مكوكية بين الأطراف، من الأفضل ترك هذه الوظيفة للأمم المتحدة ومبعوثها الخاص إلى اليمن.”
وأضافت: لكن عملية الأمم المتحدة عانت من نقص الدعم المتماسك والمستمر من الولايات المتحدة، بدون الالتزام بقوات أو تمويل كبير، لا يزال بإمكان الولايات المتحدة تقديم الكثير، وتوفير القيادة والرؤية والاستراتيجية الواضحة لإنهاء الصراع، إضافة لذلك تمتلك الولايات المتحدة أيضًا أدوات فريدة يمكن نشرها لإكراه شركاء اليمن الإقليميين وإقناعهم والتأثير عليهم، مما أدى إلى استمرار الصراع.
الأمريكيون اليمنيون
على المستوى الداخلي سينعكس الوضع بشكل كبير وفق مؤشرات أولية للإدارة الجديدة بالنسبة للمهاجرين والمقيمين غير الأمريكيين، فشاكر الأشول، تربوي يمني أمريكي يرى بأن اللغة والثقافة ستتغير وتصبح أكثر إيجابية باتجاه التعايش المجتمعي بعد أن عمل الرئيس ترامب على هدم هذه القيم لصالح اليمين المتطرف الذي يرى في تواجد المهاجرين وتعاظم دورهم تهديدًا للجنس الأبيض.
وأضاف الأشول: بالنسبة للمسلمين الأمريكيين واليمنيين يتطلعون لإلغاء القانون الرئاسي القاضي بحظر سفر اليمنيين، كما يعوّلون على لغة تصالحية مع المجتمع الإسلامي الأمريكي بعد أن ظل عرضة لرسائل رئاسية وإعلانية أساءت لصورة المسلمين الأمريكان وضاعفت من مظاهر العنصرية نحوهم.
بشكل عام تبقى الإدارة الأمريكية الجديدة مرتبطة بإعادة لملمة شتات البيت الأمريكي، وإعادة المياه إلى مجاريها بعد سنوات حكم ترامب التي وُصفت بالمهشّمة للوجه الأمريكي والفاعلية الأمريكية عالميًا، ودون شك تبقى اليمن وملفات المنطقة الحافلة ذات حضور لدى السياسة الأمريكية على كافة المستويات، وهو ما يعني أن هناك توجهًا للتعامل مع الوضع، لكن لا تُعرف بعد الطريقة التي ستتعامل بها إدارة بايدن مع ملف اليمن، الأيام القادمة كفيلة بكشفها.
*المصدر: المشاهد نت