عبدالرب الفتاحي
منذ 4 سنوات صار من الصعوبة على الحاج صالح مهيوب الشجري (80 عامًا)، في مديرية ماوية، جنوب شرق تعز، حرث أرضه بعد أن حذره البعض من وجود ألغام قريبة منها، وبذلك امتنع عن زراعتها خوفًا من أن يصادف لغمًا قد يودي بحياته، حسب ما روى لنا. في كل صيف كان الحاج الشجري يأخذ محراثه الخشبي المصنوع يدويًا، وثورين يسميان باللهجة المحلية “الضمد”، ويقوم بزراعة أرض له تقع في حبيل عرابي، وهو مساحة واسعة من الأراضي الخصبة والواسعة. وكان يحصد سنويًا 20 قدحًا من الذرة السمراء، أثناء فترة الصيف (القدح وحدة كيل للحبوب في اليمن، والقدح الواحد يساوي ما يقارب 50 كيلوغرامًا بالنسبة للذرة في ماوية).
يجد الحاج صالح نفسه غير قادر حتى على رؤية أرضه التي تبعد عن بيته ما يقارب كيلومتر فقط، فحركته لن تكون آمنة، كما يقول، لأن الطرق التي تؤدي لمزرعته قد تكون ملوثة بالألغام المضادة للأفراد.
ويروي الحزن الذي يعتصره بعد أن صارت مزرعته مهملة، لكنه لم يكن السبب، فهو حذر على حياته بسبب قرب مزرعته من المناطق التي تشهد معارك بين الحوثيين والقوات المساندة للحكومة. ويقول في حديثه لـ”المشاهد”: سمعت أن الأراضي القريبة من أملاكي صارت ملغمة، وهذا ما جعلني أمتنع حتى عن زيارتها، لأن الالغام تحاصر أرضي، ولذلك خسرت الكثير، كوني لم أعد أقوم بزراعتها، كما أن أرضي كانت توفر لي محصولًا غذائيًا طوال السنة”.
تعطل الزراعة يتشابه الأمر مع المزارع سالم مسعد ناصر، فعندما كان يبدأ موسم الزراعة وهبوط الأمطار، كان يأخذ أولاده معه لكي يقوم بحرث أرضه. في السنوات الماضية، وتحديداً السنوات الثلاث السابقة، لم يعد ناصر يقترب من أرضه، فهناك ما يمنعه، حسب حديثه.
تنتشر الألغام في محيط الأراضي الزراعية في ماوية، ويعتقد ناصر أن أرضه قد تكون ملوثة بالألغام. لكنه لا يوجد حتى الآن مسح بالأراضي الزراعية الملوثة في ماوية أو عدد المزارعين الذين هجروا حقولهم بسبب الألغام. ويتهم المزارعون مسلحي لحوثي بزراعة الألغام على مناطق وأرضٍ متعددة، وذلك لمنع أي تقدم للقوات الحكومية التي سيطرت على ثمران وجحال، جنوب ماوية على حدود محافظة لحج، الواقعة بالقرب من أرض ناصر، الذي يقول إن الألغام ليست سهلة، وهي تظل مميتة، وتكلفتها كبيرة في حال غامر شخص مثله ليدخل أرضه.
ويضيف أن الألغام صارت تحاصر حقولهم وأرضهم، وهي تقتل الحيوانات، وتهدد الأطفال والمسافرين. خسائر الألغام خلال العامين الماضيين، انفجر لغم بدراجة نارية، مما أدى لمقتل 3 أشخاص كانوا في طريقهم لحضور حفلة عرس، تطايرت أشلاؤهم بشكل لم يستطع أحد التعرف عليهم.
وفي سيلة قطين التي تقع ضمن قرى ذابة في ماوية، وفي أحد المنعطفات، لقي الثلاثة حتفهم، وهم: قاسم أحمد فارع (55 عامًا)، ومعين محمد صويلح (25 عامًا)، وعرفات قاسم (20 عامًا). وقبلها في حبيل عرابي انفجرت شاحنة للشاب لماجد هزاع، مما أدى لتضرر الشاحنة.
ويؤكد فاروق دماج سيف، أحد أبناء منطقة ماوية، أن الحادثتين خلقتا لدى الناس حالة من الحذر، ولم يعد بمقدورهم المرور من الطرق التي تأكد أنها ملوثة بالألغام. ويقول سيف: “كما أن الأراضي الزراعية هي الأخرى لم تعد صالحة لحرثها. لقد تحولت تلك المساحة لتصبح خالية من السكان”.
ويضيف أن الحذر الذي يعيشه الناس في قرى ذابة بماوية، هو الذي حماهم من الألغام، ولو استمروا بحرث الأرض أو المرور من الطرقات، ربما لزاد عدد الضحايا بشكل كبير. ويتابع حديثه بأن الألغام التي زرعها الحوثيون موجودة بشكل كبير، وهي موزعة على العديد من الطرق والمساحات الزراعية، ما يجعل تخطي تلك المساحات أمرًا خطيرًا. المزارعون في خطر يشير صلاح صالح، الناشط في منظمة البحث عن أرضية مشتركة في تعز، التي تهتم بحل النزاعات، إلى أن “المليشيات الحوثية حينما سيطرت على مناطق في ماوية، عملت على زراعة شبكات الألغام في الطرقات العامة والمناطق الزراعية”.
ويقول إن “منطقة ذابة بقراها المختلفة، كانت خط مواجهات، ولاتزال حتى اللحظة، وقد تم زراعة شبكة ألغام في الطريق الرابط بين ذابة وقرى زيق وحبيل حنش، أي في الخط الحدودي بين ماوية تعز والمسيمير لحج”.
جرائم حرب
توفيق الحميدي، رئيس منظمة سام المعنية بحقوق الإنسان، يعتبر زراعة الألغام الفردية في اليمن، جريمة بموجب القانون الدولي، ووفق اتفاقية جنيف وميثاق تأسيس محكمة الجنايات الدولية التي صنفتها على أنها جريمة حرب. ويشير الحميدي إلى أن اتفاقية أوتاوا 1997- اتفاقية حظر استعمال وتخزين وإنتاج ونقل الألغام المضادة للأفراد وتدمير تلك الألغام- نصّت على تدمير الدول لمخزونها من هذه الأسلحة.
ويتابع حديثه: “أعتقد أن الحكومة اليمنية إبان النظام السابق، رفعت تقارير مضللة بخلو اليمن من هذه الألغام، بتدميرها، إلا أن الحرب الأخيرة كشفت عن استيلاء مليشيات على كميات كبيرة منها من مخازن الجيش”.
ويضيف: “الألغام تم زرعها بدون خرائط. هذا الأمر يجعلنا أمام جرائم حرب وفقًا للقانون الدولي، تستوجب محاكمة مرتكبيها، وقد تضمنت تقارير فرق التحقيق الدولية هذه الجرائم كونها تشكل “انتهاكًا صارخًا” للقانون والمعاهدات الدولية.
ويشدد الحميدي على أن خطورة الألغام الفردية، هي في كونها تستهدف الأفراد المدنيين والحياة بشكل عام. منوهًا إلى أن “الألغام الفردية مقاتل طويل الأجل، وذو صبر طويل، وقيمته منخفضة جدًا، مما يجعله خطرًا دائمًا ينفجر في أي وقت سواء أثناء الحرب أو بعدها في الطرقات والشوارع وداخل المنازل ومزارع الحيوانات، ولا يفرق بين محارب ومدني، طفل وامرأة، شاب شيخ”.
ويقول: “عواقب هذا السلوك، بخاصة في ظل انعدام الخرائط، مزيد من الضحايا، وتدمير للحياة الزراعية والرعي، خصوصًا وأن إزالتها تحتاج إمكانيات كبيرة جدًا، ومازالت بعض مناطق اليمن تعاني منها منذ حرب المناطق الوسطى في السبعينيات”.
*المصدر:المشاهد نت