بصوت مرتعش تتذكر سمية (اسم مستعار بناء على طلبها) عندما أوشك 3 أشخاص يستقلون سيارة، على اختطافها وهي في طريقها إلى العمل، قائلة: “شعرت بالخوف عندما سمعت صوت سيارة تقترب مني، حينها تأكدت أنها تلاحقني.
كان الشارع خالياً تماماً من الناس، كما هي العادة في الساعات الصباحية الباكرة. تظاهرت بأني متماسكة برغم أن قلبي كان يخفق بشدة، وخصوصاً عندما أخرج أحدهم يده من النافذة، وهو يقول: (هيا اطلعي)، ثم وقفت السيارة، وخرج أحدهم منها متوعداً: (بسحبك سحب، أنتي ما ينفع معك الكلام).
تجمدت من الرعب، وأدركت أن لا فائدة من الصراخ أو الهرب، فلا بد أن أنقذ نفسي، ولو حتى بمحاولة، فأخرجت خنجراً أحتفظ به في حقيبتي دائماً، تحسباً لمثل هذا الموقف، وقلت له: (إذا تقدمت خطوة بتشوف أيش بعمل فيك)، وبرغم ما بدا عليّ من خوف وضعف، إلا أنه استدار وعاد إلى السيارة يقول لأصدقائه: (هذه مجنونة، خلونا نمشي)”.
ووفق ما نقله كتاب “التحرش الجنسي للمرأة والذكور” للدكتور المصري محمد حسن غانم، الصادر في مايو 2014، عن منتدى الشقائق العربي لحقوق الإنسان (منظمة مجتمع مهتمة بحقوق الإنسان في اليمن)، فإن 90% من النساء في اليمن يتعرضن للتحرش الجنسي، رغم أن 99% من اليمنيات متشحات بالسواد.
الشعور بالخذلان
وتعاني النساء اليمنيات من التحرش بكل أنواعه؛ اللفظي والجسدي والجنسي، في الشارع ووسائل المواصلات وأماكن العمل، وغيرها من الأماكن.
ويعتبر التحرش شكلاً من أشكال العنف الذي تتعرض له النساء والفتيات في اليمن، ولايزال معظمه غير مبلغ عنه، وقلة فقط من النساء يفصحن عن تلك السوكيات. فالعادات والتقاليد اليمنية تكبل المرأة، وتجعلها غير قادرة على الحديث عن هذه الممارسات.
وتقول العشرينية رنا (اسم مستعار بناء على طلبها): “تحرش بي رجل، وأنا في الباص، بطريقة سيئة، فصرخت أستنجد بالسائق والرجل الجالس في الكرسي بجانبه، ولكني تفاجأت بصمتهما، حيث واصل صاحب الباص القيادة، ولم يوجه للمتحرش أية كلمة. شعرت بإهانة شديدة من ردة فعلهما، فطلبت إيقاف الباص، وغادرت”.
وبالرغم من التزام الحجاب وارتداء غالبية النساء العباية السوداء المحتشمة، بل الخمار، إلا أن ظاهرة التحرش باالنساء تنتشر في الشارع اليمني بشكل لافت.
“حاول زملائي في العمل التحرش بي”
“منذ اليوم الأول لي في العمل، وأنا ألاحظ أحد الزملاء ينطر إليّ بطريقة مريبة، وعادة ما يتحرش بي لفظياً، ولكني ألتزم الصمت. وفي إحدى المرات اقترب مني كثيراً، وكان بالفعل يريد أن يعتدي عليّ، فصرخت في وجهه”، تقول سلوى (اسم مستعار بناء على طلبها).
وتضيف: “فكرت مرات عدة في ترك العمل، ولكن الوضع المعيشي الذي أعانيه، لا يسمح لي بذلك”.
المتحرش في الغالب لا يراعي سن المرأة ومكانتها العلمية، إذ تتعرض أكاديميات في الجامعات للتحرش من زملائهن في العمل.
وتقول الدكتورة سامية الأغبري، رئيس قسم الصحافة في كلية الإعلام بجامعة صنعاء، إن بعض زملاء مهنة الصحافة وبعض الأكاديميين، وهم قلة، حاولوا التحرش اللفظي بها بين الفينة والأخرﻯ، مضيفة: “أتعامل معهم بأسلوب التطنيش، وأوضح لهم بشكل غير مباشر، وبأسلوب ساخر، أن تصرفات كهذه لا تليق بالصحفي والأكاديمي، ولا أتيح لهم فرصة للتحرش مرة أخرى”.
بيوت غير آمنة
إضافة لتعرض النساء للتحرش في الشارع ووسائل النقل وأماكن العمل، فإنه يمتد إلى الأسرة، إذ تعاني بعض النساء من التحرش في إطار الأسرة الواحدة، ما يضطرها إلى التزام الصمت. وتصف ليلى السياغي، أخصائية نفسية في مستشفى الأمراض النفسية والعصبية بصنعاء، أن هذا النوع من التحرش هو الأكثر تعتيماً، والأكثر غموضاً، فعندما يقدم أحد أفراد الأسرة على التحرش بامرأة تربطه بها علاقة قرابة، تضطر إلى التزام الصمت والعيش في حياة أشبه بجحيم.
وأوضحت السياغي أن التحرش من قبل أحد الأقارب والأهل، ليس بنسبة كبيرة في المجتمع اليمني، كما هو الحال بالنسبة للتحرش اللفظي أو الملاحقة في الشوارع.
وترجع نجاة خليل، بروفيسور علم النفس الاجتماعي، وخبيرة في النوع الاجتماعي وقضايا العنف الموجه ضد النساء، أسباب ظاهرة التحرش بالنساء، إلى التنشئة الاجتماعية الخاطئة المتعلقة بالعلاقة بين الذكور والإناث، والتعامل مع المرأة باعتبارها موضوعاً جنسياً بحتاً، إضافة إلى غياب الوازع الديني والقيم الأخلاقية في المجتمع، والفصل الحاد بين الذكور والإناث، مع غياب الأخلاق والقيم، يجعل العلاقة الإنسانية بين أفراد المجتمع علاقة غير سوية.
آثار نفسية
وللتحرش آثار نفسية عديدة، جميعها تؤثر على حياة المرأة، تقول السياغي: “تصبح المرأة المتعرضة للتحرش المتكرر، أكثر ميلاً للانعزال، وتعاني من صعوبة في تكوين علاقة صحية مع من حولها، وفقدان الثقة في النفس وفي الآخرين حتى الأقارب. وقد يؤدي الأمر إلى رفضها فكرة الزواج، وصد أي شخص يحاول الارتباط بها والتقرب لها.
كما تعاني من تدنٍّ في تقدير الذات، وتأنيب الضمير المستمر، إضافة إلى ظهور بعض الاضطرابات النفسية كالاكتئاب والقلق والاضطراب الناتج عن الصدمة والوسواس القهري والرهاب الاجتماعي”.
انعدام العقاب الرادع للمتحرش، ونظرة المجتمع للمرأة على أنها السبب في التحرش، يشجع على انتشار هذه السلوكيات، ويجعل المرأة الجاني والمجني عليه في الوقت نفسه.
ويشجع انعدام العقاب الرادع للمتحرش، على تفاقم ظاهرة التحرش بكافة أشكاله (اللفظي والجنسي)، إذ لا توجد قوانين تتناول قضايا التحرش في مكان العمل والأماكن العامة. ويؤدي عدم توفر بيانات موثوقة إلى مضاعفة الصعوبات التي تواجه تناول هذه القضية، وفق دراسة صادرة عن البنك الدولي، في مايو 2014، بعنوان “وضع المرأة اليمنية من الطموح إلى تحقيق الفرص”
*المصدر: المشاهد نت