تبدأ الحجة نور (50 عامًا) رحلة شاقة منذ الصباح الباكر تقطع فيها مسافة طويلة للحصول على 40 لتر من المياه الصالحة للشرب، تجلبها على ظهر الحمار، وتستغرق من وقتها نحو أربع ساعات، وغالباً ما تكرر هذه العملية في المساء بعد نفاذ كمية المياه التي لا تفي للاستخدام المنزلي وسقي المواشي.
لتتفرغ بعد ذلك لإنجاز بقية أعمالها المنزلية ورعي المواشي، فهي تسكن في احدى القرى البعيدة المحرومة من مشروع مياه وضمن عشرات القرى في المنطقة التي يعيش سكانها المعاناة ذاتها.
اقتربنا من الحجة نور لمعرفة قصة معاناتها اليومية فتحدثت قائلة: “أني اسكن في قرية السوائل، لا يوجد بئر قريب ولا خزان مياه لنا ولا نستطيع شراء وايت (صهريج) ماء كون سعره مرتفع، كما أن الطريق غير صالحة أصلاً حتى يصل إلينا.
وتتابع حديثها لـ “صوت إنسان”: أعيش في المنزل أنا وزوجي فقط، فبناتي تزوجن وأبنائي سافروا خارج تعز بحثاً عن الرزق، وما معي غير هذه الحمار تحمل لي الماء من بئر دماج وسط الوادي، أصحو باكرًا لأجلب الماء، وعند وصولي للبئر، احياناً انتظر ساعتين، بسبب ازدحامها، ثم أعود لأعد الافطار ومن ثم أرعى هذه الثلاث الأغنام مع البقرة.
معاناة يومية
هكذا هو حال كثير من نساء وفتيات قرى منطقة الضباب، في رحلة معاناة يومية في البحث عن مياه صالحة للشرب وخاصة تلك الأسر التي لا تملك ثمن شراء مياه عبر صهاريج، في ظل عدم توفر خزانات مياه في أطراف القرى تحد من هذه المعاناة، لاسيما بعد تعثر مشروع المياه المخصص للمنطقة منذ سنوات.
منطقة الضباب تبعد نحو 20 كم جنوب مدينة تعز وهي غنية بالمياه الجوفية ذات الطبيعة الساحرة ودائمة الخضرة بوجود نهر جارٍ ينساب في أعماق الوادي قرابة فصول السنة، والتي تُعد رافدًا مهمًا لأسواق تعز لكثير من الخضروات والمحاصيل الزراعية.
حلول جزئية
مبادرة مجتمعية قامت بتوفير خزنات مياه وضعت في أطراف القرى وسط التجمعات السكانية الكبيرة لكي يتمكن أكبر قدر من الأهالي الحصول على المياه دون الذهاب الى الآبار البعيدة، فقرى “المناجد، الغيل، الحرمين، والدار”، وفر مالكو الآبار وفاعلو خير خزانات بلاستيكية، ولاتزال أكثر من 30 قرية بعيدة ومتناثرة على ضفاف الوادي، يعاني الأهالي فيها ويتكبد نسائهم وأطفالهم مشقات جلب الماء.
منظمة ميرسي كوربس (Mercy Corps) طورت مشروع مياه السبيل التابع لأبناء دماج وسط المنطقة وأسهمت في توفير المياه الصالحة للشرب وذلك في بناء خزان يحتوي على 20 صنبور بعد أن وفر أبناء دماج المياه من بئر تابعة لهم، والأرضية لإنشاء الخزان، وهو مشروع يوفر المياه بشكل مستمر لخمس قرى.
غم توفير خزانات لبعض القرى تظل معاناة البحث عن المياه تؤرق كثير من الأسر التي يصعب عليها شراء صهاريج مياه في ظل الوضع الاقتصادي المتردي، اضافة الى أن معظم سكان المنطقة لا يملكون خزانات أرضية لتوفير المياه من موسم الأمطار.
إهدار المخزون المائي
المهندس الزراعي فؤاد أحمد يقربنا أكثر بلغة الأرقام موضحاً الأبعاد المختلفة لأزمة المياه والحلول المثلى للحفاظ عليها قائلاً: تعتبر اليمن من البلدان الجافة وشبة الجافة فكما أشارت الاستراتيجية الوطنية للمياه بأن حصة الفرد في اليمن من المياة العذبة المتجددة حوالي 125 متر مكعب في السنة مما يجعل اليمن من أفقر عشر دول في العالم.
وأوضح فؤاد بأن الاستهلاك السنوي للمياه في اليمن يقدر بنحو 3,4 مليار متر مكعب، متجاوزًا بكثير ثلث الموارد السنوية من المياه العذبة والمتجددة، مشيرًا بأن هناك عجز مائي سنوي يقدر بحوالي مليار متر مكعب وهذا العجز يزيد نتيجة زيادة السكان ونمو الطلب على المياه والتنافس الشديد على المياه الجوفية.
وتحدث فؤاد عن حلول عاجلة يمكن فعلها في منطقة الضباب الى حين استكمال مشروع المياه المتعثر بقوله: من الضروري توفير خزانات مياه لكل القرى وهذا اقل مايمكن فعله حالياً للحد من معاناة النساء والأطفال، تقوم بتوفيرها الجهات الرسمية والمنظمات والداعمين وضمان ديمومة الماء فيها، حتى يرى مشروع المياه النور.
ويتابع حديثه لـ صوت إنسان :” لأنه من غير المعقول أن يقضي الأطفال أوقات طويلة في البحث عن المياه في الوقت الذي يجب يكونوا فيه منهمكين في مراجعة دروسهم وواجباتهم المدرسية، ولذا لابد من حلول جذرية ومناسبة تضمن عدم تحمل المرأة الريفية والأطفال تبعات توفير المياه”.
حاجة وإجراءات
وأكد المهندس الزراعي على ضرورة القيام بإجراءات لتوفير المياه في منطقة الضباب لحاجتها إلى إعادة تأهيل المدرجات وانشاء خزانات حصاد مياه وحواجز تحويلية للمحاصيل الزراعية المختلفة، وتركيب شبكات ري بالتنقيط للخضروات وأخرى فقاعية لأشجار الفاكهة والبُن وشبكات نقل المياه من المصدر (البئر) الى الحقل مباشرة، وإمداد القرى بالمياه الصالحة للشرب.
وأضاف: هذه الاجراءات لاشك أنها ستخفف من استنزاف المياه وستحقق كفاءة ري ممتازة وكفاءة إنتاجية عالية من المحاصيل وستوقف الحفر العشوائي للمياه الجوفية.
*المصدر: المشاهد نت