تاتشات

ما وراء قصيدة “انتظرها” لمحمود درويش

مانشيت-أدب

رُبما كان محمود درويش يكتب عن الحب، الوطن، المقاومة؛ لكن الحب في حياة محمود درويش كان مختلفاً تمامًا، فكيف لشاعر يبحث عن أسمى معاني الحب في شعره أن يمر مرور الكرام.

“لا أحد يتغير فجأة ولا أحد ينام ويستيقظ متحولاً من النقيض للنقيض! كل ما في الأمر أننا في لحظة ما نغلق عين الحب ونفتح عين الواقع، فنرى بعين الواقع من حقائقهم مالم نكن نراه بعين الحب في عين الحب”.

وها قد حان الوقت لنتعرف على زيجة درويش الثانية، التي سارت على نهج مختلف، قصة لعاشق متيم كمحمود درويش؛ بدأت حين كان محمود درويش في حفلة في بيت صديق له فرأى امرأة أعجبته، ولكنه لم يتحدث معها، بعد فترة قرر درويش أن يستضيف صديقه وكل من قابله في ذلك اليوم، وأكد علي صديقه بأن كل من قابله في ذلك اليوم لهو مدعو للحفلة في بيت درويش؛ لكن يوم الحفلة جاء الكل ما عدا هذه المرأة، فقرر درويش في ذلك الوقت أن ينظم حفلة أخرى لعلها تأتي، ولكنها مع ذلك لم تأتِ؛ استمر هذا الوضع لمدة سنة، قيل أن في تلك الفترة كتب محمود قصيدة في “الانتظار يصيبني هوس برصد الاحتمالات الكثيرة”.

وهي إحدى قصائد محمود درويش العظيمة، التي ربما تلهف البعض لسماعها والتنغم بكلماتها، فمن الممكن أن يكون لها صدى في أنحاء عقلك ووجدانك، وربما تسألني عن قصتها، و من الجائز أيضًا أنك لم تكترث سوى لمعانيها.

انتظرها
بكأس الشراب المرصَّع باللازوردِ
انتظرها.. على بركة الماء حول المساء وزَهْر الكُولُونيا
انتظرها.. بصبر الحصان المُعَدّ لمُنْحَدرات الجبالِ
اُنتظرها.. بذَوْقِ الأمير الرفيع البديع
انتظرها.. بسبعِ وسائدَ مَحْشُوَّةٍ بالسحابِ الخفيفِ
انتظرها

مرت سنة وكان درويش يزور صديقه بالصدفة، فوجدها ضيفة عند هذا الصديق أيضاً، وكان هذا هو اللقاء الثاني، ومن هنا بدأت قصة الحب الذي تطورت بالزواج، فكان هذا زواجه الثاني في منتصف الثمانينات من المترجمة المصرية “حياة الهيني”.

تحكي حياة الهيني أن محمود درويش كان يضع لها كل يوم وردة على السرير، ما عدا إذا كان بينهم بعض الضيق أو الكلل، وتحكي أنه في يوم بعد العشاء قال لها أنه كتب قصيدة لها وجلس يلقي عليها الشعر كالندىٰ؛ كانت قصيدة “يطير الحمام” التي ألح عليه مارسيل خليفة عقب سماعه القصيدة أن يغنيها، لكن محمود كان يأبى، ففوجئ مارسيل بالرفض من درويش، قال له درويش بأن هذه القصيدة شخصية للغاية.

استمر زواجهما لعدة أشهر ثم انفصلا، وفي إحدى المقابلات طُلِبَ من حياة الهيني أن تحكي عن أسباب الانفصال، ابتسمت و ردت بجملة واحدة “ستبقى بعيني ولحمي ملاك”، وأعقب درويش بدوره “لم نَصب بأية جراح، انفصلنا بسلام”

وظل في بال مارسيل قصيدة درويش وتكرر طلبه باستمرار دون أن يمل، واستمر درويش أيضًا بالرفض، إلا أن درويش قبل ذهابه إلى أمريكا لدخول غرفة العمليات بدا أنه كان يعلم بأنه سينتقل إلى مثواه الأخير، اتصل بمارسيل وطلب منه أن يلحن القصيدة ويغنيها، ففعل مارسيل ومات درويش قبل أن يسمعها.

يطيرُ الحمامُ
يَحُطّ الحمامُ
أعدّي لِيَ الأرضَ كي أستريحَ
فإني أحُّبّك حتى التَعَبْ…
صباحك فاكهةٌ للأغاني
وهذا المساءُ ذَهَبْ
ونحن لنا حين يدخل ظلٌّ إلى ظلّه في الرخامِ
وأُشْبِهُ نَفْسِيَ حين أُعلّقُ نفسي
على عُنُقٍ لا تُعَانِقُ غير الغمام

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق