بموكب جنائزي مهيب، شيع عشرات الالاف من اليمنيين، بعد صلاة ظهر اليوم الإثنين 12 يوليو 2021، في العاصمة المختطفة صنعاء، الجثمان الطاهرة لمفتي الديار اليمنية الأسبق فضيلة القاضي العلامة الشيخ محمد بن إسماعيل العمراني.
وتوافدت الجموع الغفيرة للصلاة على فقيد الأمة القاضي محمد بن إسماعيل العمراني في جامع الزبيري، حيث جرى الصلاة عليه عقب صلاة الظهر. بحسب وصية القاضي العمراني.
وانطلق المشيعون الذين تقاطروا من كل أرجاء العاصمة صنعاء، إلى جامع الزبيري، انطلقوا عقب الصلاة عليه لدفن جثمانه الطاهر في مقبرة “الدفعي” بمنطقة السبعين.
وبالتزامن مع الصلاة عليه وتشيعه، أقيمت صلاة الغائب على مفتي الجمهورية، في جميع مساجد وجوامع اليمن عقب صلاة الظهر. فيما صلى يمنيون وعرب خارج اليمن أيضا صلاة الغائب على القاضي العمراني.
وعمت حالة من الحزن الكبير التي خيمت على اليمنيين في شمال اليمن وجنوبه لرحيل الشيخ العمراني.
ويعد الشيخ العلامة العمراني أبرز مشائخ اليمن والأمة العربية في التاريخ الحديث، حيث كان علما بارزا في مجال الفقه الذي عرف به مجددا ومجتهدا كبيرا لا يباريه أحد.
السيرة الذاتية لنفتي الديار اليمنية:
1- مواليد 1922 صنعاء: فيها ولد وتربى ووترعرع ودرس وتعلم..
وأما لقبه (العمراني) فهو نسبة إلى أصله: مدينة عمران، التي هي اليوم عاصمة ومركز محافظة كبيرة.. سكانها ملايين..
2- من أسرة (علمية) عرفت بالفقه والقضاء؛ فإن جده القاضي محمد بن علي العمراني، هو أحد تلاميذ الإمام الشوكاني، وقد ذكره الشوكاني في كتابه (البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع)
3- توفي والده وهو ابن أربع سنوات، فكفلته والدته..
4- درس الابتدائية في مدارس صنعاء القديمة وأشهرها (الفليحي) الذي هو مسجد قديم يعود لعام (665 هـ) وكان يعرف بأنه جامع (الأربعين حلقة)
5- عالم على (النمط القديم) غير الأكاديمي: فهو لم يدخل جامعة.. ولكنه تلقى علوم: الفقه وأصول الفقه والنحو والصرف والبلاغة.. على أيدي أكثر من عشرين شيخا، من كبار مشايخ الجامع الكبير.. وحصل على إجازات منهم جميعا..
6- العمراني شأنه شأن ابن باز وابن عثيمين والشعراوي.. ليس له كتب ولا آثار علمية.. ولكن طلابه ومحبيه جمعوا تسجيلاته الصوتية.. وألفوا منها بعض الكتب.. ووضعوا عليها اسمه.. كما هو شأن كتاب (فتاوى ابن تيمية) مثلا، الذي ليس كتابا ألفه ابن تيمية، ولكنه بعض ما جمع طلابه من دروسه ومحاضراته وإملاءاته..
7- كان أفقه فقهاء اليمن.. وأعلمهم بأصول الفقه.. وقد تخصص في تدريس كتب (الصنعاني والشوكاني) وكان من العلماء الذين يرحل للدراسة عليهم طلاب العلم من جميع الجنسيات.. شأنه شأن الشيخ مقبل الوادعي مثلا.. وما من دكتور في العلوم الشرعية – في اليمن وخارج اليمن – تلقى العلم على يديه، إلا يدون ذلك في سيرته الذاتية.. ومن أبرز من أخذوا عنه إجازات: – في القه والإفتاء -الفقيه والأصولي العلامة البروفيسور فضل مراد: الأستاذ بجامعة قطر..
8- كان من العلماء الذين يروون حديث رسول الله بأسانيد (عالية) فلم يكن بينه وبين الإمام البخاري – في بعض الحالات – إلا ثلاثة عشر رجلا..
9- في سبعينيات القرن الماضي، كان من أوائل المدرسين في (جامعة صنعاء: كلية الشريعة) شأنه شأن ابن باز وابن عثيمين والألباني.. الذين كانوا من أوائل من درسوا في الجامعات السعودية.. خاصة (الإسلامية) بمدينة رسول الله..
10- تولى منصب الإفتاء.. وكان المفتي الأول لليمن.. وعرف بفتاواه في الصحف.. وكان له برنامج في إذاعة وتلفزيون صنعاء لأكثر من ثلاثين عاما.. ولكن برامجه كلها توقفت بعد ثورة 2011 وآخر الإعلاميين – الذين كانوا يقدمونه في الفضائيات – هو محمد العامري..
11- كغيره من علماء اليمن (عبر التاريخ) – بما فيهم الوادعي وقبله المقبلي والصنعاني وتلميذه الشوكاني – بدأ حياته العلمية (شيعيا هادويا) ثم انتقل لمنهج أهل السنة.. وتبنى عقيدة السلف.. مع شوائب أشعرية وصوفية.. إلا أنه كان من العلماء الذين ينبذون التعصب.. ويحذرون من فرقة المسلمين بسبب المذهبية..
12- في الاضطرابات السياسية التي مرت بها اليمن – وآخرها ثورة 2011 وما تلاها من إرهاصات – كان يلزم الحياد.. ولم يكن مؤيدا لطرف ضد طرف.. وكان دائما ما يقول: أنا حق علم وفقه وبس.. ولست حق سياسة..
13- له تسعة من الأبناء: أربعة ذكور وخمس إناث..
وأبناؤه الذكور اثنان منهم أكاديميان وهما عبدالرحمن الذي سبق أباه إلى دار الحق منذ أشهر.. وعبدالغني..
واثنان ديبلوماسيان وهما: عبدالوهاب وعبدالرزاق..
14- مؤخرا تعرض لوعكة صحية.. استدعت نقله للمستشفى.. ثم خرج منه..
15- بعد عمر طويل وحياة حافلة بالعطاء العلمي.. وأكثر من نصف قرن من الفقه والإفتاء والتدريس.. وبعد أن نفع الله به المسلمين في جميع دول العالم.. وفي أحد مستشفيات العاصمة صنعاء،
انتقل إلى رحمة الله، فجر يومنا هذا الاثنين 12/ 7 ثاني عشر يوليو 2021.. عن عمر ناهز المئة..