مقالات - شؤون ليبية

التدخل التركي في ليبيا والأمن العربي

أمل عبدالله الهدابي

ليس جديداً القول إن اختراق النظام العربي من قبل دول الجوار هو من أكبر مصادر تهديد الأمن القومي العربي، ولا سيما منذ اضطرابات ما عرف باسم الربيع العربي التي فتحت المجال واسعاً أمام هذه القوى، ولا سيما تركيا وإيران، للعبث بسيادة وحدود ومقدرات الكثير من الدول العربية التي وقعت فريسة الفوضى غير الخلاقة التي أنتجتها هذه الاضطرابات.

والخطير في الأمر أن هذه التدخلات تمت وتتم بأدوات يفترض أنها عربية، سواء كانت دول وضعت أمرها في أيدي هذه القوى، أو عبر ميليشيات وجماعات مسلحة ومتطرفة يتم توظيفها لخدمة أجنداتها الإقليمية. فالتدخل التركي السافر الذي تقوم به حالياً في الشأن الليبي والذي بلغ مستويات غير مسبوق من الاستخفاف بالمصالح والسيادة العربية، يستند بالأساس إلى اتفاقات مشبوهة وقعها أردوغان مع رئيس مايسمى حكومة الوفاق فايز السراج، التي تخضع لهيمنة الميليشيات الإخوانية والمتطرفة، وهي الاتفاقات التي أعطت لأنقرة المبرر غير الشرعي للتدخل، لأن هذه الاتفاقات تخالف القوانين الدولية والإجراءات الدستورية المفترض اتباعها داخلياً.

التحرك العربي المنسق والمتحد في مواجهة هذه العنجهية التركية والتدخلات السافرة أصبح أمراً حتمياً.

يضرب التدخل التركي في الشأن الليبي الأمن العربي في الصميم من جانبين: الأول أنه يحول ليبيا إلى ملاذ آمن وقاعدة للجماعات المتطرفة والميليشيات المسلحة الأجنبية من المرتزقة الذين ينقلهم أردوغان من سوريا ومن أماكن أخرى إلى ليبيا، وهذه الميليشيات والجماعات لا تشكل فقط تدميراً للدولة الوطنية الليبية والقضاء على فرص عودتها إلى طبيعتها كدولة لها جيش وطني وليس كدولة تتنازعها الميليشيات والمرتزقة، ولكن أيضاً تجعل جميع الدول العربية وحتى الأوروبية المحيطة بليبيا في موضوع استهداف وتهديد من قبل هذه الميليشيات والجماعات المتطرفة الفوضوية.

والثاني، أن تدخل تركيا في ليبيا ومن قبلها في سوريا وفي شمال العراق قد يشجعها على مواصلة هذا النهج في دول أخرى. ولا ننسى أنها دعمت قبل ذلك الإخوان في مصر ووقفت إلى جانبهم، وتحاول اليوم أن تخترق تونس من خلال حركة النهضة الإخوانية. وهذا يعني أن مشروعها لن يتوقف عند سوريا وليبيا فقد يغريها هذا الوضع للتوسع أكثر. ويمكن في هذا السياق ملاحظة التصريح الذي بثته وكالة الأنباء التركية الرسمية الأناضول عن أردوغان الأسبوع الماضي، والذي اعتبر فيه أن تدخلات بلاده العسكرية في ليبيا وشمال العراق وإدلب في شمال سوريا، أظهرت قوتها وستعزز وضعها داخل حلف شمال الأطلسي (ناتو)!!

التحرك العربي المنسق والمتحد في مواجهة هذه العنجهية التركية والتدخلات السافرة أصبح أمراً حتمياً. ولا أقصد بالتحرك هنا الخيارات العسكرية، وإن كانت هذه لا يجب استبعادها إذا استمرت الانتهاكات، ولكن أقصد بالأساس التحرك لتشكيل جبهة دولية موحدة في مواجهة هذه الانتهاكات التركية، ولاسيما أن هذه الانتهاكات تهدد الأمن القومي للدول الأوروبية أيضاً، وتهدد مصالح كثير من القوى الدولية.

وهنا تأتي أهمية التحرك المصري الأخير الذي قاده الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي عندما جمع قائد الجيش الوطني الليبي المشير خليفة حفتر ورئيس مجلس النواب عقيلة صالح في القاهرة، وأعلن عن مبادرة جديدة للسلام تدعو لتشكيل مجلس قيادة منتخب ووقف إطلاق النار، محذراً مرتين من التمسك بالخيار العسكري لحل الأزمة. فقد أظهرت هذه المبادرة التي لاقت دعماً عربياً ودولياً واسعاً، أن القوى العربية، وفي مقدمتها مصر، لن تسمح لتركيا بصناعة نموذج سوري آخر في ليبيا، ولن تسمح بوجود ميليشيات ومرتزقة أجانب في بلد عربي جديد، ولن تسمح باختراق جديد للنظام العربي. ومن ثم فمن المهم العمل على توحيد المواقف والجهود العربية أولاً في مواجهة هذه الانتهاكات التركية، ومن ثم التحرك لتشكيل جبهة دولية قوية في مواجهتها، والعمل على إعادة الأزمة إلى مسار التسوية السلمية من جديد وفق المقررات التي أقرتها الاتفاقيات الدولية، دون استبعاد أية خيارات أخرى إذا لزم الأمر لحفظ الأمن العربي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق